تنامت ظاهرة "الانغماسيين" لدى التنظيمات الإرهابية التي تصاعد نشاطها في بعض دول المنطقة، على غرار سوريا والعراق، حيث أصبحت إحدى أكثر المفردات رواجًا في الآونة الأخيرة، لا سيما في ظل تزايد الاستناد إليها في المعارك الجارية في الدولتين، فضلا عن ارتفاع وتيرة العمليات الإرهابية التي تُستخدم في إطارها.
ففي هذا السياق، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في 20 مارس 2017، بأن بعض التنظيمات الإرهابية والمسلحة استخدمت "الانغماسيين" في معاركها مع قوات النظام السوري والميليشيات الحليفة لها في حي جوبر الدمشقي، حيث استطاع "الانغماسيون"، وفقًا للمرصد، الوصول إلى كراج العباسيين، بشكل ربما يُعزز من قدرة تلك التنظيمات، خلال المرحلة المقبلة، ليس فقط على الاقتراب من العاصمة دمشق، وإنما أيضًا على الربط بين مناطق سيطرتها في جوبر والقابون.
كما استخدمت "هيئة تحرير الشام"، التي تضم "جبهة فتح الشام" وبعض الفصائل الأخرى، "الانغماسيين" في الهجوم على المربع الأمني التابع للنظام السوري في مدينة حمص، في 25 فبراير 2017، وهو ما أسفر عن مقتل 42 من قوات النظام، من بينهم العميد حسن دعبول رئيس جهاز الاستخبارات العسكرية في حمص، حيث أشارت الهيئة إلى أن "عدد الانغماسيين الذي اقتحموا مبنى أمن الدولة والأمن العسكري وصل إلى خمسة".
ويبدو أن تصاعد حدة العمليات العسكرية التي تشنها الأطراف المعنية بالحرب ضد التنظيمات الإرهابية، لا سيما تنظيم "داعش" و"جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقًا)، سوف يدفع الأخيرة إلى الاعتماد على تلك الآلية في الرد على تلك العمليات، في ضوء النتائج التي تُسفر عنها في النهاية.
ظاهرة متجددة:
ومن دون شك فإن ظاهرة "الانغماسيين" ليست جديدة، إذ يعود ظهورها إلى مقدمات ما تسميه بعض الاتجاهات بـ"الحقبة الجهادية المعاصرة" في الحرب الأفغانية ضد القوات السوفيتية، حيث بدأت تكتسب اهتمامًا خاصًّا من جانب التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها تنظيم "القاعدة"، والتي سعت إلى استخدامها من أجل تنفيذ عمليات إرهابية نوعية، كما حرص بعض قادتها على تدريب العناصر الإرهابية على تنفيذها، مثل مؤسس تنظيم "القاعدة في العراق" أبو مصعب الزرقاوي الذي أطلق عليه من قبل أعضاء التنظيم "ملهم الانغماسيين".
وتُعد فرق "الانغماسيين" أبرز الفرق الإرهابية المسلحة، وتمثل إحدى أهم الآليات التكتيكية في المعارك التي تشنها التنظيمات الإرهابية في مواجهة الأطراف المناوئة لها، حيث تُستخدم في الهجوم على القيادات، أو محاولة فتح الخطوط المتقدمة والحصينة خلال المواجهات. لكن اللافت هو أنها بدأت تُستخدم كدعاية لأنشطة تلك التنظيمات، وقدراتها على توسيع نطاق سيطرتها في المناطق التي اجتاحتها.
مقاربات مختلفة:
وقد اهتمت اتجاهات عديدة بتحديد الملامح الخاصة بظاهرة "الانغماسي" تعتمد على متغيرات عديدة، مثل مظهره، وتركيبته البدنية، وهيئته التسليحية، ودوره في العمليات التي يشارك فيها خلال المعارك. لكن رغم ذلك، لا يوجد تعريف جامع مانع لمفهوم "الانغماسي"، حيث لا يشترط أن ينفذ "الانغماسي" عملية انتحارية في نهاية مهمته، وربما يسعى إلى التنكر في زى العناصر المناوئة له بغرض استهداف بعضهم في مرحلة معينة.
وقد وصلت بعض التعريفات إلى حد تعداد حجم وشكل ونوع الذخائر التي يحملها "الانغماسي"، فهناك عمليات استخدم فيها "الانغماسي" أسلحة ثقيلة، على عكس ما تشير إليه بعض الاتجاهات الأخرى التي ترى أن "الانغماسي" يحمل -في معظم الأحيان- أسلحة خفيفة. لكن ثمة اتجاهات ثالثة ترى أنه لا توجد في منشورات التنظيمات الإرهابية تقديرات واضحة لحجم ونمط وشكل التسليح، باعتبار أن الأولوية تكمن في قدرة "الانغماسي" على تنفيذ مهامه، بصرف النظر عن نوعية الأسلحة التي يحملها.
وتشير الملامح الأساسية لـ"الانغماسي"، خاصة على مستوى التأهيل القتالي، إلى أنه شخص يتميز بتكوين خاص من حيث الحالة الجسدية، والاحترافية القتالية، مثل القنص، وسرعة الأداء القتالي، والمفاجأة، والذكاء في تنفيذ بعض العمليات المركبة، كما يفترض فيه تميزه بطاعة تعليمات قيادات التنظيم، ونجاحه في اجتياز اختبارات عديدة يخضع لها قبل تنفيذ مهامه.
وبالطبع، فإن أهم ما يميز "الانغماسي" يرتبط بقدرته على إيقاع أكبر عدد من الضحايا، وهو ما دفع التنظيمات الإرهابية إلى الاعتماد عليه بشكل أكبر خلال الفترة الأخيرة. فقد بدا واضحًا، على سبيل المثال، أن تنظيم "داعش" حرص منذ بداية عام 2016، على تغيير تكتيكاته المعتادة التي اعتمد فيها على التفجيرات، ليبدأ في شن هجمات نفذها "انغماسيون"، على غرار الهجمات التي وقعت في العاصمة العراقية بغداد، في 11 يناير 2016، وأسفرت عن مقتل وإصابة نحو سبعين شخصًا.
فوارق متعددة:
واللافت في أدبيات التنظيمات الإرهابية أنها تبدو حريصة على التمييز بين "الانغماسي" و"الانتحاري". فمع أن كلا منهما يحظى بمرتبة بارزة داخل تلك التنظيمات، إلا أن الأول يحظى بدرجة أعلى من الأخير، كونه يخوض معركة سابقة عليه أن يُنجز خلالها مهامًا متعددة قبل أن يقدم على تفجير نفسه في حالة ما إذا ارتأى ذلك، فيما تتركز مهمة "الانتحاري" على تفجير نفسه في أحد التجمعات لإيقاع أكبر عدد من الضحايا، ولا يشترط امتلاكه قدرات بدنية أو قتالية على غرار "الانغماسي"، وهو ما دفع اتجاهات عديدة إلى تأكيد أن "كل انغماسي هو انتحاري وليس العكس".
وقد ارتفع مستوى العمليات الإرهابية التي يقوم "الانغماسيون" بتنفيذها في العراق وسوريا منذ عام 2012، لكنها وصلت إلى ذروتها في العامين الأخيرين. فوفقًا لموقع "أعماق" التابع لتنظيم "داعش"، فإن فرق "الانغماسيين" نفذت ما بين 50 إلى 60 عملية شهريًا في الربع الأول من عام 2017، مقابل ما بين 80 إلى 100 عملية شهريًّا في 2016، وكانت أغلب هذه العمليات في سوريا عند الحواجز التي تسيطر عليها بعض الأطراف المناوئة للتنظيم، سواء قوات النظام السوري أو الميليشيات الحليفة له.
لكن اللافت في هذا السياق أن التنظيمات الإرهابية لم تعد تستخدم تلك الآلية في التعامل مع الأطراف المناوئة لها فقط، بل بدأت في الاستناد إليها أيضًا في المواجهات المسلحة التي اندلعت فيما بينها. فعلى سبيل المثال، نفذت "جبهة فتح الشام" (جبهة النصرة سابقًا) عملية "انغماسية" استهدفت عددًا من قيادات "لواء شهداء اليرموك" الموالي لتنظيم "داعش" خلال اجتماع لهم في ريف درعا الغربي في منتصف سبتمبر 2015، وذلك ردًّا على عملية "انغماسية" قام بها شخص موالٍ للتنظيم ضد عناصرها.
وفي ضوء ذلك، ربما يمكن القول إن تعويل التنظيمات الإرهابية على آلية "الانغماسيين" يبدو أنه سيتزايد خلال المرحلة المقبلة، في ظل الضغوط التي تتعرض لها بسبب تصاعد حدة العمليات العسكرية التي تشنها العديد من القوى والأطراف المعنية بالحرب ضد الإرهاب، في بعض دول المنطقة.